الجامعة ذكريات

584

التخرج لحظة فارقة في حياة الإنسان، بين حياة العلم والدراسة والبحث، وحياة عمل وبناء واستقرار. نعم إنها «لحظة» فالطالب يتذكرأول يوم وطئت قدمه الحرم الجامعي، وكأن السنوات التي قضاها «حلم» يصحو منه الآن، وإذا به يودع جامعته!
لا شك أن الخريج انتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر، وهي لحظة سعادة وفرح مليئة بالإنجاز بعد سنوات من الكد والصبر قضاها بين ردهات هذه الجامعة.. سهر فيها من أجل بحث أو اختبار أو استعداد لمحاضرة. والبعض قد نهل من معين هذه الجامعة وأضاف لنفسه في مسابقة ثقافية أو رحلة اجتماعية أو نشاط رياضي أو مشاركة إعلامية، وما بين هذا وذاك من جولات فكرية وحوارات أكاديمية.
التخرج نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة، مليئة بالجد والعطاء والانطلاق إلى الحياة العملية، لكن تظل لمرحلة (الجامعة) مذاقها الخاص بما فيها من عفوية ومباشرة وأحيانا فوضوية، تمثل إحدى أهم مراحل تشكيل شخصية الشاب وتحديد توجهاته وصقل مهاراته. ولا شك أن علاقات وتجارب هذه المرحلة تشكل مشاعره وتحفر في أحاسيسه وتحدد طبيعة علاقاته في مستقبل الأيام.
إن أكثر وأجمل ما يبقى مع الإنسان هي تلك الذكريات الجميلة التي تظل عالقة في مخيلته، وقد عاشها بكل ما فيها من آلام وآمال، ففي المرحلة الجامعية يتم بناء العلاقات الحميمة مع الإنسان والمكان والزمان، وتبقى تلك العلاقات ملتصقة بالذاكرة والوجدان يصعب طمسها أو مفارقتها، وفي حفل الوداع تختلج المشاعر وتتداخل الأحاسيس، ويتم التقاط الصورالتذكارية للأصدقاء والأساتذة، في أجواء تذوب فيها الفوارق وتبرز إنسانية المربي الذي ربما قسا ليدفع طلابه الى سلم الجد والتطور والنجاح.
كلنا مر بتلك التقلبات في الدراسة وعجبنا لصرامة أساتذتنا ومتابعتهم الدقيقة وتقييمهم المستمر، مما شكل ضغوطا علينا في بعض الأحيان، من أجل تلبية متطلبات مقرر أو إنجاز بحث وفقا لمعايير محددة. ولكن بعد التخرج اكتشفنا أن الفضل يعود لجهود أولئك الأساتذة -بعد الله- في رفع إمكاناتنا العلمية والمعرفية وتطوير مهاراتنا العملية، لنكون كوادر مؤهلة لخوض غمار تحديات سوق العمل القاسية.
إن الحبل السري الذي يربط الخريج بجامعته هي العلاقات المتينة بزملاء الدراسة، وقد أوجدت الجامعات روابط للخريجين تتيح لهم التواصل مع أقسامهم وتخصصاتهم العلمية حرصا على استمرار التطوير العلمي والمهني المستمر. كما أن الكثير من الأوفياء من أبناء الجامعات تجدهم سباقين في إطلاق أو تبني مبادرات لدعم أقسامهم وإقامة الكراسي العلمية ،ويقوم البارزون منهم بتقديم المحاضرات بما يضيف إلى تخصصاتهم.
بقي أن نقول إن لحظات الوداع من أصعب المواقف التي ينفصل فيها الإنسان عضويا عن جامعته ولكن يظل على ارتباط معنوي بمؤسسته العلمية وأساتذته وزملائه، وما استلام الشهادة إلا جواز عبور يدفع الطالب إلى الانطلاق بكل حماس في خلق فرصة له في سوق العمل.